عندما قررت شركة موتورولا تطوير وتطبيق استراتيجية “معايير سيغما” كان الهدف من ذلك ايقاف خسائر الشركة، وتحويلها الى شركة قادرة على الربح، خلال عدة سنوات استطاعت الشركة تحقيق الهدف، وأصبحت معايير سيجما علامة مسجلة لصالح شركة موتورولا نظراً لنجاحها، وطبقتها شركات أخرى لتحقيق النجاح.
نظام الجودة الأوروبي EFQM هو نظام اداري آخر يهدف الى تطوير المؤسسات لتحسين الأداء ونتائج الأعمال، تسعى شركات كثيرة حول العالم من خلاله لتحقيق التميز الذي تسعى اليه، التميّز طبعاً ينعكس ايجابياً على الأرباح، ومعظم المبادرات التحسينية في المؤسسة يجب أن تنتج في النهاية عائدات مادية على المؤسسة التي تطبق نظام الجودة.
تعتمد أنظمة الجودة في العالم مثل (ISO, EFQM, 6 sigma وغيرها) على مبدأ واحد هو نموذج ادارة الجودة الشاملة، وجميعها تطبق بطريقة أو بأخرى نموذج Deming Cycle التالي:
هذا ليس سوى تقديم للموضوع، من يرغب بالتفاصيل يمكنه البحث على جوجل… والموضوع هو ما سيأتي بعد قليل…
أعجبني كثيراً منطق تتبناه شركة جوجل وهو أن هدفنا “تقديم خدمة بحث مميزة للبشر، والربح المالي يأتي كنتيجة لذلك” ..وقد كان ذلك سبب نجاحهم… (يمكن الاطلاع على فلسفة جوجل من الرابط هنا)
بالمقابل، فإن شركة ياهو العالمية لم تحقق ما حققته جوجل على الرغم من أنها كانت رقم واحد على الانترنت قبل خروج جوجل، وكانت مقصد المحتاجين للحصول على خدمات البحث على الشبكة العنكبوتية…
لكن لماذا تقدمت جوجل على ياهو؟ بنظري لأن ياهو وضعت الربح المادي هدفاً أولاً ثم خدمة المشترك.. لكن جوجل قامت بالعكس. وبالتالي فإن هدفهم ومن أجل تحقيقه يحتاج الى تقديم خدمة سريعة وبسيطة… وقد نجحت جوجل في استراتيجيتها وغدت أكبر شركة على الانترنت، بل ان أرباح جوجل في الربع الثالث لعام 2011 تخطت الثلاثة مليارات دولار (ميزانية السلطة الفلسطينية لعام واحد هي مليار دولار).
عدد موظفي جوجل هو حوالي 30 ألف موظف، استطاع هؤلاء تحقيق ربح بالمليارات في ثلاثة أشهر (ربع سنة)
عدد موظفي السلطة أكثر من 140 ألف انسان.. لكن غير قادرين على تحقيق تنمية حقيقية في البلاد… ما السبب؟
نعود الى موضوع التميّز.. لنربط الموضوعين مع بعضهما البعض…
التميّز هو شيء رائع، وأنظمة التميّز أنظمة جديرة بالتطبيق في عالمنا العربي، لكن اذا لم نتبع فلسفة كفلسفة جوجل فإن تطبيق تلك الأنظمة سيفشل.. والسبب؟ أن تطبيق أنظمة الجودة ان لم ينبع من ارادة حقيقية وقناعة داخلية بأهميته فإن قوى ممانعة التغيير ستنتصر وستفشل المسعى الذي قد يكون البعض مقتنعاً به، إلا أن أغلبية مراكز القوى في المؤسسة قد لا تكون راغبة به.
تحاول بعض المؤسسات الإستثمار في تطبيق أنظمة الجودة، وقد يكون هذا الاستثمار لسببين، الأول: هو لمجرد الحصول على شهادة تضاف الى مجموعة الشهادات الأخرى لدى المؤسسة. والثاني: هو لأن المؤسسة تنوي فعلاً تطوير نفسها وتغيير أسلوب القيادة فيها، من أجل النهوض بالعمليات واجراءات العمل…
الفرق بين الأول والثاني أن احتمالية النجاح للأول ضعيفة، وحتى لو نجح الأمر في البداية فإنه لن يستمر، لأن الحصول على شهادة الجودة لم يكن وفق منهجية تضمن الاستمرارية.
أما الثاني فقد لا يكون مهتماً من الأساس في تحقيق شهادة للجودة، لكنه يؤمن بضرورة تطبيق مباديء الجودة العالمية وأنظمتها، وبالتالي فهو يريد التحسين لأنه فعلاً يريد التحسين، وهذا النوع سينجح بالتأكيد وبإيمانه المستمر بمباديء الجودة وما يمكن أن يتحقق من خلال هذه المباديء فسوف يصل الى مستويات متقدمة من التميّز، وسوف تكون شهادات التميّز تحصيل حاصل ونتيجة للجهود المستمر التي بذلها. (هل ربطتم قصة جوجل مع هذه النقطة؟)
في الختام فإنني شاهدت مؤسسات كثيرة في وطننا تحصل على شهادة الآيزو للجودة الإدارية، لكن شهادة الآيزو لا تمنح مرة واحدة، ففي كل عام أو بضعة أعوام يجب استدعاء مسؤول التقييم في المؤسسة أو ممثل للمؤسسة ليقوم بإعادة التقييم وفي حال خرجت عن التعليمات والمباديء الخاصة بالنموذج فهذا يعني أنك لن تحصل على الشهادة مرة أخرى…
فيجب علينا قبل أن ننطلق لتطبيق أنظمة الجودة، أن نضمن ايمان جميع القيادات المؤسسية، والطواقم في المواقع ذات الاهمية داخل المؤسسة بأهمية تطبيق الأنظمة وكيف يمكن أن تنعكس هذه الأنظمة ايجابياً على صحة المؤسسة ومستوى أدائها بل وحتى احترام السوق والمجتمع لها. ثم بعد ذلك يمكن أن ننطلق الى تطبيق أنظمة الجودة وسوف يكون مسألة الحصول على شهادات الجودة مسألة تحصيل حاصل.