أشتاق لرائحة الخبز المحمص في صالات المطارات، للحركة السريعة وأصوات الطائرات، لرائحة تسخين الوجبات الخفيفة والقهوة السريعة، ولضغط الأذن عند الاقلاع أو الهبوط..أشتاق لجرّ حقيبة السفر في صالات المطار، لشراء التذاكر وركوب القطار، لحجز الفنادق والتبضع في أسواق الفواكه والخضار.أشتاق لكثير من صور الغربة ليس لكي أعود لها ولكن لأنها كانت جزءاً مني طيلة أربع سنوات ماضية..أشتاق للمشي في شوارع غودولو الوادعة، وعلى ضفاف نهر الدانوب في بودابست، ولنسيم الغابة العليل وهدوء الطبيعة الجميل واطلالة نافذة غرفة نومي على الغابة خلف مبنى D في سكن الطلاب. هذا فصل الخريف، وفيه تتلون الأشجار لترسم لوحات جميلة انتظاراً لموسم الثلوج. بعض الأمطار تنتج عبقاً طيباً يزف إلينا قدوم الشتاء، وخنافس مزعجة تخترق نوافذي باحثة عن ملجأ، ورائحة الحطب تخرج من فوهات المداخن المنزلية، وتوصيات أستاذي لي بلبس كنزة اضافية وأن أترك الغرور فيما يتعلق بالحذر من برد هنغاريا.أشتاق للمخبز في آخر الشارع وفنجان قهوة على مقهى وسط غودولو أراقب منه الأطفال يلعبون في الحديقة المجاورة، وهذا عجوز خرج يمشي مع كلبه، وتلك سيدة تسحب عربة التسوق كأنها خرجت من فيلم سينمائي عن فترات الحرب العالمية الثانية وما قبلها.أشتاق لجولة في ريف هنغاريا الجميل، حيث المروج الجميلة وحقول الذرة والقمح والصويا ومراعي الأبقار والأغنام والخيول.أشتاق لأشعة الشمس تشق الطريق نحو مكتبي مخالفة نظريات استقامة الضوء في صباحٍ معتدل جميل مع كوب أميريكانو وقطعة الكرواسون أراقب خلال تناولها الحركة الخفيفة للطلبة والأساتذة كلٌ يسير الى محاضرته أو مكتبه.أشتاق لكل تفاصيل الغربة دون أي شوق للغربة نفسها. أنا أشتاق للسلام في تلك البلاد ولراحة البال وصفاء الذهن والهدوء والعمل والانجاز وقلة الكلام وانعدام الضغينة وراحتي من القيل والقال..