استيقظت مبكراً، قررت الخروج الى الشارع لرؤية الصباح الهندي عند افتتاح السوق، خرجت من الفندق، وذهبت لتناول الفطور، للأسف كان وقت الفطور قد انتهى أو لسبب ما لم يتم افتتاح المطعم صباح هذا اليوم، قررت الذهاب في جولة قصيرة في المنطقة، لمحاولة رؤية البلد من زاوية أخرى، كان هناك مظاهر جميلة للمنطقة، أصحاب المحلات يفتحون أبواب محلاتهم ويرشون الماء أمامها، الناس في تلك المنطقة كما أسلفت، فقراء جداً، لدرجة أنهم مستعدون للعمل في أي شيء يمكنهم عمله، بعضهم يعمل مساحاً للأحذية، طفل لا يزيد عمره عن عشر سنوات يحمل صندوق البوية وينتقل من جهة الى أخرى لإقناع الناس بتلميع أحذيتهم، العشرات من الأطفال يفعلون نفس الشيء، رجال يعملون كفتاحي أبواب، بحيث يقف هذا الرجل أمام باب المحل من الصباح الى المساء لكي يفتح الباب ويغلق الباب لزبائن المحل أو زبائن الفندق.
المئات من سائقي الدراجات الهوائية يرجون منك الركوب معهم، الفقر يدفع الانسان للعمل بكل المهن، ولا بأس في ذلك، طالما كان العمل شريفاً ويقي الانسان من الجوع…
قد يكون لهؤلاء أحلامهم، ولحياتهم طعمها الذي يستمتعون به، لكن في فلسطين لا توجد مهن قليلة القيمة هكذا…ولا يعقل أن دولة بحجم الهند لا تجد الحكومة ما يمكنها من أن تسد حاجات هؤلاء الأساسية، هل بات السلاح النووي أكثر أهمية من خبز هؤلاء الجوعى؟
عدت لأحضر الكاميرا لإلتقاط بعض الصور لكم من هذا الصباح الهندي، لكن للأسف كانت البطارية بحاجة الى الشحن، وأصبت بالاحباط، وقررت العودة الى النوم. وما ان وضعت رأسي على السرير حتى تذكرت مالك.. الشاب الذي التقيته يوم أمس…
عدت ونهضت وخرجت لأسأل عنه، ووجدته في فندق مجاور، اتصلت عليه ونزلنا سوياً، وبدأ مالك بتوجيه النصح لي، لا تضع نقودك في مكان واحد، لا تترك شيئاً ثميناً في غرفتك، قم بإيداع ما يزيد عن حاجتك في أمانات الفندق، لا تعطي أي فقير أي مال، فهم عبارة عن مجموعات تخبر بعضها بعضاً واذا بدأت بالدفع فلن تنتهي، قم بمفاوضة التجار على أسعار مشترياتك، لا تشتري من المحل الأول الذي تدخل اليه..
خرجنا انا ومالك وبدأنا بالمشي من منطقة الى أخرى، وكلما تقدمنا الى الأمام كنا نلمس تحسن أوضاع الناس، استغربت قيام الناس بتشغيل عشرات مولدات الكهرباء الصناعية وذلك بسبب انقطاع الكهرباء، أخبرني مالك أن الانقطاع اليومي للكهرباء يحصل في هذا الوقت وهو مقصود من قبل الحكومة بسبب الضغط الهائل على الشبكة، عاد الى ذهني اهتمام حكومة هذا البلد بإمتلاك السلاح النووي وعدم اهتمامها بالطاقة النووية وفوائدها…
لفت انتباهي أيضاً كثرة الكلاب في الشوارع، عدد كبير جداً، المئات منها تسير بكل راحة وطمأنينة بين الناس، دون أن يكترث أحد لأمرهم، تذكرت خبراً قرأته في احدى صحفهم عن مقتل مدير ملجأ لرعاية الكلاب وعشرة كلاب آخرين بسبب طعام ملوث، من وجهة نظرهم فإن الحيوانات كائنات حية يجب الاعتناء بها وتجنب ايذائها…
تحادثت مع مالك كثيراً حول أوضاع الهند، لخّص مالك حال البلد بعدة كلمات: “الهند بلد التناقضات وسترى ذلك بعينك… ”
وصلنا الى محطة المترو في المنطقة، قام مالك بشراء بطاقة تنقل لي بدولار واحد عبر المترو ويمكنني استخدامها عدة مرات للتنقل من مكان الى آخر باستخدامه. حقيقة أن ثلاثة شهور أكسبت مالك ما يكفي من الخبرة لمعرفة البلد بشكل جيد.
ركبنا بالمترو متوجهين الى باليكا بازار، وهو مجمع تجاري كبير، مليء بكل شيء وله عدة أقسام، أصحاب المحلات يتمتعون بدرجة عالية من الصبر وتحمل غلاظة الزبائن وكثرة غلبتهم، وما أغلط ولا أكثر غلبة من مالك الذي كان يستمتع بإستفزازهم، قلت له سيطردونك، في ذهني التاجر الفلسطيني الذي لا تستطيع التفاوض معه على السعر، “مالك، بطل ال Bargain” وهي كلمة هندية تعني المفاصلة على السعر، وبعد عدة مفاوضات استطاع مالك تخفيض ثمن ست قطع فلاش ديسك من تسعمائة روبية الى ثلاثمائة وثلاثون للقطعة الواحدة (الدولار يساوي 39 روبية)، حين أشرف التاجر على البكاء من كثرة النقاش مع مالك على السعر، فقد تجول مالك في معظم محلات المجمع التي تبيع هذه القطع، وقام بمفاصلتها جميعاً، يطلب البائع شيئاً ويعرض مالك دفع ما يقارب ربع السعر المطلوب أو أقل، وأحياناً يسخر مالك منهم بسبب محاولتهم استغلال كونه أجنبي ورفع الأسعار بشكل كبير، ببساطة هذا هو ال Bargain والحق بيد مالك، كيف يعقل أن السعر الأخير لقطعة يعادل ثلث المبلغ المطلوب في أول مرة؟ يجب أن تفاصل على أي شيء… وقد جربت الموضوع وحصلت على تخفيضات ممتازة لكن برأي مالك ففد استطاع هؤلاء أن يضحكوا عليّ…
خرجنا من باليكا بازار، وتوجهنا الى السنترال بارك، وهي حديقة من أروع ما يمكن، بدأت وجهة نظري السلبية التي تشكلت في اليومين الأولين بالتغير، الهند بلد رائع جداً… لا أعرف لماذا أربط الكثير من الأمور التي أراها في البلدان الأخرى بما يحدث في مدينتي “نابلس”، ففي عاصمة الدولة الهندية، تقوم الحكومة ببناء حديقة في وسط العاصمة، تتسع لآلاف المتنزهين، وحول هذه الحديقة الضخمة مئات المحلات التجارية الراقية، فيما تقوم بلدية نابلس ببناء مجمع تجاري ضخم في قلب مدينة نابلس الأثرية الجميلة لتنزع جمال هذه المنطقة، ولتحولها الى منطقة مكتظة أكثر بالباعة والناس، ليست نابلس بحاجة الى هذا الحجم من الأبنية، ويكفي أن أقول لكم أن أعلى بناية سكنية في الهند لا تزيد عن أربع طبقات، حتى الفندق لا يرتفع أكثر من أربع طوابق، ولهذا فإن العاصمة كبيرة جداً وممتدة بشكل منظم على شكل مربعات سكنية ممتدة على مد نظرك… هذا هو الفرق بين حكومة تفكر براحة المواطن وبين حكومة تفكر في استثمار المواطن.!
لنعد الى السنترال بارك، على حدودها الدائرية معرض للصور الهندية، صور لكل شيء جميل في الهند، معرض ضخم يذكرني بزميل لي في الجامعة يقوم بشكل دائم بتنظيم معارض بشكل مستمر في الجامعة، ويتناول فيها الكثير من القضايا والمواضيع، الصور في هذا المعرض تشمل كل الطوائف أيضاً بما فيها المسلمون، الذين يقال أحياناً أنهم يشكلون أكثر من ربع السكان في الهند.
الباعة المتجولون لهم حضور أيضاً في هذه الحديقة، لكنهم يبيعون المكسرات والمشاوي، والكتب القيمة..الشعب الهندي شعب قاريء وبيع الكتب في العاصمة تجارة مربحة، وزملائي في الدورة أقبلوا على شراء الكتب بكميات كبيرة، أحسست بنقص في هذه الناحية، فأنا لم تتملكني الرغبة بالدخول الى المكتبة من الأساس أو النظر الى الكتب…
اليوم الثاني في الهند كان يوماً من طعم آخر، تغيرت فيه نظرتي الى الهند وبدأت بالتعادل مع النظرة السلبية التي رأيتها في أول يومين، يمكن القول أن الهند دولة نامية تمشي بخطى ثابتة نحو التقدم والارتقاء، لكنها بحاجة الى كثير من العمل.
في المساء تحادثت مع الزملاء عن ما رأيته اليوم، كان هناك اتفاق على أن الهند بلد التناقضات، وفيها من كل المستويات سواء الفقير أو الغني، المتعلم أو الجاهل. ولكن الهند تتغير بسرعة، بعض الأصدقاء الذين تواجدوا في الهند قبلنا أكدوا لي أن الهند لم تكن هكذا قبل ثلاثة شهور عندما كانوا قبلنا، مما يؤكد أن العمل يجري على قدم وساق للنهوض بهذا المارد الآسيوي ذي العدد الضخم من القوة البشرية يعادل سدس سكان العالم…
قد تتشابه يومياتي في الأيام القادمة، لذلك سأحاول الحديث بشكل خاص عن كل جانب من جوانب الحياة الهندية، كالطعام الهندي، والمسلمون في الهند، الأسواق الهندية، الأناس الهنود، العبادات الهندية والطقوس الدينية الموجودة، المرأة الهندية، العملة الهندية، التكنولوجيا الموجودة… كما سأقوم بالكتابة لكم عن زملائي الذين سأتعرف عليهم لاحقاً.
كما أن الشركة التي نتدرب بها ستقوم بأخذنا في جولات سياحية الى مناطق أثرية، وسأعمل على تدوين وقائع هذه الرحلات بشكل دائم…
man , i’m really enjoying myslef by reading ur weblog, it’s amaizing how u see the thigns and how u share it with us … you are great person my freind sami.. enjoy your stay there and get the best of it .. wihs you all the luck my freind
Fawaz lubbadeh